الثلاثاء، 4 أبريل 2017

وريثٌ لأمَّه ..



إن المتجول في صفحات تاريخنا الجميل المليء بالملاحم والبطولات والمليء بالأبطال الذين قدموا أرواحهم وراحتهم وكل ماكانوا يملكونه لأجل أن ترفع راية لاإله إلاالله راية التوحيد على تلك الأوطان التي جاهدوا في الله حق جهاده كي يفتحوها ،وينشروا فيها العدل وأي عدل غير عدل الإسلام وأي فخر لأحد أن يفخر بنشر غير هذا العدل ..

أولئك الأبطال لم ينشروا فقط العدل ويرفعوا راية التوحيد ،ولكن بقوتهم وحسن تدبيرهم وقبل كل شيء توفيق الله جل وعلا ،أسسوا للإسلام أراضي كثيرة وفتحوها وبعضها حتى الآن ننعم بها ونعيش فيها متنعمين بعبادة الله أحراراً بما نقوم به من عبادات ،ولولا عمل أولئك الأبطال ما تأسست هذه الأراضي وماكنا لنعبد الله جل جلاله عليها وماكان الملك والسلطة عليها للمسلمين ،ولكن ضحوا بكل مايملكون كي يوجدوا لمن سيأتي بعدهم أرضاً آمنة مطمئنة ينتشر فيها عدل دين الله عز وجل ،وهذا ماقاموا به .


إلا أن من ينظر في صفحات التاريخ ،يجد أن هؤلاء الأبطال لم يظهروا فجأة ،ولم يبرزوا من العدم ،ولكن كانت هناك المواقف والتحديات ووجد لهم المربين من العلماء الأفاضل ،من علموهم الدين وفقه الجهاد والدفاع عن الأرض والدين ،ولم يكن فقط التعليم سيد الموقف ،ولكن تجد أن الله يظهر أكثر هؤلاء الأبطال في أزمنة تتكرر وكأنها دائرة تدور ،فكلما وصل الإسلام إلى الهاوية خرج القوم الذين على يدهم يرفع من جديد وهكذا ،ظهر ألب أرسلان مؤسس الدولة السجلوقية ،وسيف الدين قطز مؤسس دولة المماليك ،و أرطغرل الذي أسس دولته في الأناضول ومن هذه الدولة زُرعت البذرة التي سقاها ابنه عثمان فأنبتن زهرة الدولة العثمانية ،وغيرهم الكثير إلا أننا نلاحظ أن هؤلاء الثلاثة عندما ظهروا ظهروا في وقت نزاعات فيها الدين ضائع بين خيانات من الحكام وخوف وخذلان أو حتى خيانات من الوزراء الذين يعملون تحت هؤلاء الحكام ويحيكون لهم الدسائس ويوالون الجميع من الخارج والداخل لإسقاط الحاكم ،أو حتى لكسب بضعة نقود ممن يوالونه ، وبين الشعوب التي لاتحمل إلا السمع والطاعة والخوف من جور السلطان وترقب لهيب الحروب .

وهذا ماحدث في عاصمة دولة العباسيين عندما كان الوزير يحيك الدسائس ويوالي المغول وينهك الجيش الإسلامي بعزل الأقوياء ،وكان هناك صراع بينه وبين الداودار قائد الجيوش ،إلا أنه صراع لكسب ود الخليفة وليس صراع لتقوية الجيش والدفاع عن الحدود التي شارفت على التمزق ،والشعب لاحول له ولا قوة ،وانتهت تلك الخيانة والصراعات بسقوط الدولة العباسية على يد جحافل المغول .


تاريخنا ظهر فيه الخونة ومن دسوا الدسائس ،ولكن لاشك أنه مليء بالأبطال والقدوات الرائعين ،فهذا طارق ابن زياد على أسوار الأندلس عندما خاف جنوده يصرخ في جنوده ،أيها الناس البحر من خلفكم هائج وكأنه العدو ،وجيش العدو من أمامكم وكأنه البحر فإما النصر وإما الغرق ،فكان النصر لذلك الجيش ولهذا القائد العظيم وفتحت الأندلس فكانت عاصمة الإبداع الإسلامي التي لايزال قصر الحمراء فيها يحكي ذلك الإبداع في اسبانيا .


لماذا نقرأ التاريخ ؟؟

{ ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك وماكان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون } . غافر آية ٧٨

التاريخ والعبر الموجودة فيه لم يغفل عنها القرآن الكريم فهو مليء بقصص الأقوام الذين سبقوا . قوم عاد ، ثمود ، فرعون

ولاننسى قصص الأنبياء ، يوسف ، نوح ، موسى ، محمد عليهم السلام .

لماذا ؟


التاريخ ليس قصة ممتعه نتسلى بها وكفى ،ولكن هناك خلف تلك القصص الكثير مما يجعلنا نستفيد من تطبيقه على واقعنا الحالي بل يجعلنا نتمكن من قراءة الأحداث الحالية ،وننجح في توقع المستقبل وقراءة الأحداث القادمة لأنها دول وأزمنة تدور تختلف في المحتوى ،ولكنها تتطابق في النتائج لذلك من واجبنا معرفتها .

{ .. وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لايحب الظالمين }. آل عمران آية ١٤٠


التاريخ أيضاً هو إرث حضاري قيم نصنع منه القدوة لأطفالنا وأبطالنا الصغار ،نصنع منه هويتهم القيمة المرتكزة على الدين وعلى عزة الإسلام التي لم يلبث أن يسقط فيه بطل إلا وارتفع فيه بطل جديد يحمل الراية ،دون رجوع إلى أصله أو فصله أو عربي هو أم أعجمي فقد حمل تلك الراية ودافع عنها ،العرب ، والترك ، والأكراد ومختلف الأقطاع والألسن ،هذا الإرث التاريخي والحضاري يجب أن ينشأ عليه نشؤنا ،ويتعلمه ويتشربه كي يعلم أنه وريث لأمَّه مُلأت بالأبطال والفتوحات ،وريث لأمَّة لايعرف أبطالها الخوف ولا الذعر ،وريث لأمَّه تآخت كل أقطارها بالدين ولم تتفرق لأجل شيءٍ غيره ،ولن تقوى إلا عندما تتآخى من جديد وتعلم أن لافرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى .

التاريخ سيخبرك أن كثيراً من القصص التي تروى عن تاريخنا لأجل تشويه عضمائنا ،إنما هي كذبة سقاها الأعداء لنا ،ونحن شربناها ،والأدهى والأمر أننا نشربها مفتخرين لأن فيها الكثير من المعاني القيمة ،ولكن دس فيها معاني سيئة أرادوا فيها تشويه القدوة ولكن بالحيلة ،هذا إن لم يقولوها علناً كما فعلوا مع العثمانيين عندما ذكروا أنها دولة احتلال ،وكأن نابليون الذي دخل بجيشه لمصر محتلًّا للإقطاع الذي تحميه حامياة بني عثمان وكأنه دخلها وهو يوزع الورود .

ستفهم من التاريخ مالذي تعنيه كلمة غزو فكري فعلاً وماهي أبعادها السياسية وكيف أصبحت هي الحرب الضروس علينا التي لاتراق فيها دماؤنا ولكن أريق فيه فكرنا .

التاريخ منه ستتذكر أنك المتبوع ولست التابع ،ستتذكر أن هذا الدين ساد العالم ،وكان سيد العلوم والصناعات والإختراعات والإنجازات ستتذكر أننا من بدأنا الطب ،والكيمياء ،والرياضيات ،والفسلفة ،وانغمرنا في علم الفلك ،ستتذكر مكتبة بغداد التي كانت تحتوي على مليون مؤلَّف منها المترجم ،ومعضمها لعلماء ومفكري ومخترعي هذه الأمة العظيمة ،منه ستتذكر أن اختراعات عالمنا الحاضر جزءٌ كبيرٌ منها طُوِّرت من علوم من أنتجها هم علماؤنا ،ستتذكر أننا لم نكن نقود العالم عسكريا فقط ،ولكن على مستوى العلم والتطور والهندسة كنا أيضاً قادة هذا العالم ،ولكن الذي حدث عند سقوطنا مؤخراً  أنها سرقت علومنا وترجمت واستفادوا منها ،والأمرُّ أنهم كانوا حريصين على أن نتوقف عن التطور العلمي والبحثي ،وتكون الإختراعات والإنجازات المقبلة لهم .


التاريخ سيجعلك تعمل وتكون منجز ذو حلم حتى تصل إلى ماوصلنا إليه من همة وإنجاز في السابق ،سيجعلك تتذكر أن الخمول والركض أمام المكسب المادي وكفى لايصنع أمه ،وإن صَنَعَهَا فإنما يصنع أساسها على بحر هائج وأساس متزعزع غير ثابت ،الأمة بحاجة إلى نصر وتحتاج إلى تقدم ورفعة وهذا يحتاج إلى همة وشعوب تمتلك مقومات الإنجاز ،ولن يرفعها الخمول والبقاء على فضلات الأعداء وصناعتهم ،يجب أن نصنع كل مانحتاجه يجب أن نكتفي ذاتياً من كل شيء من الصناعة والزراعة وحتى المنسوجات والألبسة ،يجب أن نمتلك مقومات النهضة أولاً حتى ننهض .


التاريخ سيخبرك أن الأمم التي تقود العالم هي الأمم التي تمتلك مقومات القيادة الفعلية ،ستتعلم منه أن من يقود العالم هو من يحتاجه العالم وترتعد فرائسه من غضبه ،وليس الذي كل مايريده موجود لدى غيره من العالم ،التاريخ باختصار يخبرك أن القيادة والسيادة ليست بالمال ،فالقادة الصغار المتكمكمين على أنفسهم وأحلامهم الصغيرة الغبية يُشترون بالمال ويَشترون بالمال ما أرادوا ،إلا أن القائد الفذ هو من يصنع من شعبه قادة للعالم  فلا تحتاج عاصمته شيء من الأساسيات إلا كان موجوداً لديه وما يأتي من الخارج إنما هو زيادة لابأس بها ..


التاريخ سيذكرك أننا كنا عظماء عندما كنا أمة ، وفقدنا العظمة عندما أصبحنا مجتمعات كل ينتسب إلى دويلته وإقطاعه ،ومايحدث حوله إن كان ليس داخل دويلته فليس من المهم بالنسبة له ولن تتفجر عروقه غيرة ودفاعاً عنه .


نريد أن يخرج منا أجيال جديدة تذكرنا بالأمة التي سار عليها غبار التاريخ وتراكم على كتبها التراب في المكتبات ،الأمة بحاجة إلى صلاح الدين الجديد ،وعماد الدين زنكي الجديد ، وعبدالرحمن الداخل الجديد،والظاهر بيبرس البندقداري الجديد ،والسطان بايزيد الصاعقة الجديد ،والسلطان مراد الجديد  .

عندما نتعلم كيف نشأ الأبطال سننشئ أبطالنا ،ونحكي لأطفالنا الصغار عن هؤلاء القدوة الفذة والرائعة سننشئ منهم قدوة وسعيدون لنا ذكريات الأمة الجميلة ..


كما أقول دائماً نحن أمة تنام لكنها لاتموت ، صحيح أن السبات هذه المرة طال ،ولكن لابد أن يقف بطل جديد يرشق عليها الماء وتصحوا ليعم عدلها الأرض ..





ماجد ..