ولكن فجأة ،،
عصفت بالعالم عاصفة فانتهت أسطورة السعادة اكتأبت المطارات وخلت من البشر حتى الطائرات اختفت من تلك السماء الزاهية بعد أن كان في المطار عدد لايحصى أصبح العدد لايكاد يتخطى المئة ، المتبسمون أصبحوا ملثمون لاتكاد ترى منهم سوى أعينهم حتى الأطفال تسلحوا بالأقنعة ،والطائرات المنتظرة عند البوابات تكاد تحصيها بعدد أصابع يديك اكتأبت المطارات واختفت منها السعادة أو على الأقل تلثمت فيها السعادة وتغطت وراء تلك الأقنعة لايوجد هناك أحد على عجلةٍ من أمره فعلى الأقل الكل قادم قبل الموعد بساعة لينهي تلك الإجراءات الإحترازية ويسلم حقائبه كي يضمن أن لايؤخره شيء من داخل المطار ،لاتكاد ترى في صالات الإنتظار منتظرين فالعدد محدود والطائرات حتى الطائرات تكاد لاترى منها إلا اثنتين هدوء عام وبوابات مغلقة لم يفتح منها سوى اثنتان أسواق المطار فارغة والمقاهي ليس فيها سوى الباعة والممرات ليس فيها أحد وكأنك في بيت مهجور أو في مدينة انسحب منها سكانها فليس فيها سواك وعدد قليل تائهٌ معك مترقبٌ للرحيل تكاد تشك أن المكان الذي تقف فيه مكان أعد لتجمع عدد كبير من البشر ،،
وعندما ركبنا الطائرة تفاجأنا ،،
ذلك المجسم الهائل الذي يحلق في السماء أصبح فارغاً ، نعم الطائرات فارغة فبينما السفر أصبح أشبه بالمحضور إلا للضرورة كان بين كل راكب وراكب كرسي لابد أن يكون فارغ ولكل مقعد كيس مملوءةٌ بمواد التعقيم وعلى الجميع أن يلتزم بعدم نزع القناع الذي لابد من إرتدائه في كل مكان ، أنهكتني الرحلة وأنهكني الطريق قررت أن أغفوا ، علها تنتهي عمَّا قريب وماهي إلا دقائق وإذ بالمضيف يناديني من قريب فصحوت مفزوعاً ماذا تريد ؟ فقال أعد إرتداء قناعك الذي سقط ،قلت في نفسي عجيب ألهذا عليك أن تقلق دقائق راحتي وليس بجانبي أحد قريب ،شكرني على إلتزامي بتعليمات هيئة الطيران ورحل ،، ثم جاء المضيفون بعدها بقليل ليقدموا الضيافة فإذا بها تخلوا من الأكواب لايُعلم مابداخلها وليس فيها خيارات فهي أكياس مغلفة محكمة الإغلاق أعدت لتفتحها أنت حرصاً أن لايصيبها مايؤذيك ،،
نظرت إلى السماء لأستمتع بجمالها الأخاذ ولونها الفاتح الأنيق ومنظر غروب الشمس الساحر فوجدتها ،،
وجدت السماء مفتقدةً تكاد تبكي فَقْدَ طائراتها التي كانت نجوماً تجوب فيها شرق الأرض ومغاربها أحسستها حزينة مفتقدةً تلك الأجنحة العظيمة التي كانت تحلق فيها وكأنها تريد احتضاننا شوقاً وتريد الحديث معنا لتعلم عن أخبارنا وأحوالنا ولماذا اختفينا عنها كل ذلك الزمن أحسستها تود الحديث معنا لتسألنا أين طيورها التي خُلقت من حَدِيد أين البشر الذين اعتادوا تصوير لحظاتها عند الشروق والغروب وفي ساعات النهار والليل أين أولئك السعداء الذين يدخلون كبد السماء كل يوم متنقلين بين القارات والمدن أين هم ؟؟
أسئلةٌ أحسست أن السماء تود لو استطاعت النطق لتسألنا إياها فمالذي أخفانا وأين ذهبنا ؟؟
حاولت أن أجيب أسئلتها فقلتُ حظر للعالم في الشهور الأولى من العام الميلادي 2020 ضيف مزعج مقيت سيء الذكر لم يسضفه منا أحد ولم يقبل بوجوده أحد ولكنه كالطفيل أصر على أن تستضيفه الصين التي حاولت طرده بكل ما أوتيت من قوة ،ولكنها قبل أن تنجح بطرده إذ باللعين يقرر أن يحل ضيفاً مقيتا في مكان آخر فأعلن سفره إلى إيطاليا ثم إنتشر بنسخته في العالم كالنار في الهشيم لاتكاد تراه ومع ذلك ضايق الكرة الأرضية بمن عاش فيها من البشر وأزعجهم رغم صغر حجمه الذي لا يرى بالعين المجردة إلا أنه إذا حل ضيفاً في دولة أعلن فيها حالة الإستنفار والهلع والخوف بل أنه أصاب بعض الأنظمة الصحية بالفشل فبعضها أصبح لايستطيع استقبال المصابين بهذا الضيف المقيت ولايستطيع إنقاذهم بل أصبح عليهم أن يختاروا بين أن ينقذوا الطفل الصغير أم الشيخ الكبير فليس هنالك لديهم سوى سرير وعلى أحدهما أن يهدي حياته للآخر ، وهذا قرار صعب مخيف .
ولكن ماذا علينا أن نفعل ؟؟
أعلنتها المنظمة العالمية للصحة هذا الضيف جائحة وليس لدينا له من دواء ولانعلم عنه شيء واستعدوا لما هو أسوأ فلسنا نعلم كيف نفعل !!
فأعلنت الدول إغلاق الحدود وإقفال الطيران ومنع السفر وبعضها بدأ يرسل الطائرات لاسترجاع مواطنيه ورعاياه من الدول المنكوبة أو قبل أن تصبح منكوبة فلا أحد يعلم من سَيُنكبُ غداً ثم أُغلقت الدول ،، وأُغلقت الشوارع ومُنع التجول وقيل لاتخرج إلا للحاجة القصوى وليس لك الخروج دون كمامتك ومعقم يديك وإذا اشتريت شيئاً فاحذر كل الحذر استخدامه قبل تعقيمه ،،
عرفنا الضيف في البداية باسم كورونا ثم اتفقوا على اسم جديد فأسموه كوفيد 19 وليتنا ماعرفناه ومالتقينا به وليته استوعب أنه غير مرحبٍ به ،،
أحدثك أيتها السماء الآن بعد عشرة أشهر من حلوله ضيفاً علينا بعد أن ابتلعت الدول الصدمة وامتلأ الناس مللاً واكتئاباً مما أصابهم من عزلة وجلوس طويل في المنزل وانقطاع عن تجارتهم وأعمالهم وسفرهم وسياحتهم ،، أصبحت الحياة تعود للعالم رويداً رويداً ولكن بشروط وضمن قوانين تضمن سلامة الناس وعدم أذيتهم أو انتقال الضيف إليهم فقد قتل من البشر الكثير وعذب الكثير غيرهم بأعراضه الصعبة المقيتة حيث لا علاج له معروف ولا لقاح صنع لنكتسب مناعةً عنه ولاتزال مصانع الأدوية والجامعات ومراكز الأبحاث في سباق مستمر للوصول إلى لقاح ،،
ولكن ،،
رغم أن الحياة بدأت تعود رويداً رويداً إلا أن المنظمات الصحية بدأت بالتحذير من جديد من قرب إنطلاق موجة ثانية للَّعين حيث يحذرون من أنه قد يعيد إستضافةَ نفسه في أماكن كثيرة وداخل أجساد جديدة من البشر .
ما العمل ؟؟
أما أنا فقد مللته ومللت الحديث عنه وبدأت لا أتتبع أخباره ولكني رغم ذلك اتبعت التعليمات الوقائية منه وبدأت أتعامل كأن ليس له وجود فقد مللت ولاشك أن البشر أيضاً أصابهم الملل ولكن كلن بدأ يتعامل معه بمشاعر مختلفة حسب تقبله للواقع المرير الذي سينتهي يوماً ما ولكن لا أحد يعلم بأي زمن سيأتي هذا اليوم ،،
حسناً أيتها السماء نحن نهبط ولا أستطيع أن أكمل معكِ الحديث
هاقد وصلنا أيتها السماء سأشتاق إليك بقدر إشتياقك لنا وسأعود إليكِ قريباً وحتى الطائرات التي تجوبك كالنجوم ستعود كما كانت تدخل في أحضانك كل يوم في أعداد لاتحصى حاملةً معها العديد من البشر سنعود ، سنعود قريباً .
هي قصة عجيبة أيها المطار لم نعتقد أننا سنعيشها يوماً ماء أو سنواجهها في حياتنا القصيرة ولكننا عشناها وتعجبنا من أحداثها وكيف تعاملت معها الدول والحكومات والمنظمات وفي النهاية سنبقى وستستمر الحياة فهي محطة سنعيشها بكامل تفاصيلها ..
في أمان الله أيها المطار المكتئِب وسنلتقي مرةً أخرى وقد زال عنك هذا الإكتئاب الذي أصابك ..
ماجد الصوينع .