عندما أوقفت كل أعمالي وذهبت في سيارتي متجهاً لأداء صلاة العشاء بالمسجد في تلك الليلة الجميلة وعند وصولي إلى المسجد وقبل نزولي من السيارة إذ فاجأني أحد الباعة المتجولين الذي توقف عند سيارتي بانتظار نزولي كي يعرض لي معروضاته من العطور ،وفور نزولي من السيارة اذ به يحاول رشي بالعلبة التي يحملها طلباً مني أن أتذوق من هذه الروائح الجميلة ،فطلبت منه التوقف بسبب أنني مريض وأعاني من انفلونزا ولا أريده أن يزيد معاناتي ،وبالفعل احترم اختياري ولم يقم برشي !!
ولكن بدأ بيننا هذا الحوار حيث كلمني بلغة عربية وتارة بلغة انجليزية وكلتاهما بحروف مكسرة ، يطلب مني أن أقوم بدعمه بقليل من المال حيث أنه منزعج هذا اليوم لأنه لم يبع أي عبوة خلال هذا اليوم !!
فنطرت إليه وقلت أنت تاجر وتطلب مني أن أدعمك بالمال ،إن قمنا نحن بدعمك فمن سيكون للفقراء والمساكين ومن سيدعمهم ويعطيهم ،إنزعاجك كونك لم تقم ببيع شيء اليوم ،يجب أن يعطيك القوة للعمل بشكل أفضل في يوم الغد وتحسين اسلوبك في البيع وجلب المشترين ،لا أن تعطي لنفسك الحق في أن تطلب الدعم من الآخرين فلست من مستحقي الصدقة ولاتملك الحق لطلبها ،وإن أردت المال فلسنا من يعطيك إنما الله فوقي وفوقك يوزع المال على من يشاء لذا عليك أن تعمل أكثر وتجتهد بشكل أكبر وتطلب التوفيق والرزق من الله سبحانه وتعالى .
هذا الموقف هو موقف من مواقف كثيرة ففي الحقيقة جميعنا أصبح يراه في كل مكان خصوصا ً مع انتشار الباعة والمتاجر الإلكترونية أو حتى مقدمي الخدمات ،أصبح المجتمع وليس الباعة المتجولين فقط لايهتم بإعطاء قيمة ل مايحصل عليه هو فقط يريد الحصول عليه بأقل ثمن ممكن وبدون مجهود إن أمكن الأمر .
فبعضهم أصبح يلاحق المتاجر والتجار ويسألهم على تويتر مثلاً كم رتويت تحتاجون حتى تعطوني المنتج أو الخدمة مجاناً !! ،حيث لايريد أن يشعر بالقيمة المعنوية والمادية لما سيحصل عليه ،هو فقط يريد الحصول على شعور السعادة الذي سينتابه حال الحصول عليه ،هذا فقر ولكنه فقر لعين ،لأن الفقر والمصائب في عادتها هي دافع معنوي عظيم للعمل والإنجاز كي نكون في الغد أفضل من اليوم ،ولكن هذا الفقر الذي نحن تحت مضلة الحديث عنه ،هو فقر من نوع آخر هو فقر الشعور بحاجة العمل والإنجاز ،مقابل ماتريد امتلاكه في حياتك ،فقر الشعور بقيمة ماتريد الحصول عليه ،وبالتالي فهو فقر الشعور بحاجتك للمحافظة عليه .
أخشى أن يكون هؤلاء الفقراء الجدد هم نتيجة لتربية سهَّلَتْ لهم الحصول على مايريدون ،وحال خروجهم على الحياة واعتمادهم الأولي على أنفسهم اكتشفوا صعوبة الأمر ،أو قد يكونون نتيجة لتربية لم تهيء لهم بيئة يتعلمون بها أسلوب الصبر على مايريدون وجدولة احتياجاتهم وترتيب أولوياتهم ،مما أنتج لنا جيل من الفقراء حيث كل شيء لديهم هو عبارة عن أولوية مهما كانت قيمته ومكانته .
يكمن جمال أي شيء ياصديقي بل وكل شيء بمقدار المجهود الذي تقوم ببذله مقابل الحصول عليه ،فالسعادة قد تكون موجودة لفترة بعد حصولك على ماتريد ،ولكن المتعة التي ستتذكرها دائماً والسعادة التي ستبتسم لها دائماً هي سعادة حصولك على ماكنت تريد من مجهودك الشخصي ،وبتخطيطك ووضعك لأولوياتك وجدولتك المالية التي قمت بها مقابل حصولك على ماتريده تلك هي فعلاً السعادة الحقيقة .
أتحدث معك ي صديقي لأنني أخشى على هؤلاء الفقراء الجدد من المستقبل الذي لايعلم ما بداخله ،ولكني بالفعل أخشى عليهم من الغرق في ديون وقروض أخذوها للحصول على رحلة إلى جزر المالديف ،أو أحدث جهاز ذكي نزل في السوق ،أو شاشة التلفاز الثمينة جدا ذات النقاوة العالية كي يشاهدوا عليها أحدث ما أنتجت كاميرات هوليوود ، نعم ي صديقي الغرق في الديون والقروض مقابل الكماليات وعدم ترتيب الأولويات ،ووضع الجدولة المالية الصحيحة هي ما أخشاه على فقراء مجتمعنا الجدد ، بل حتى ي صديقي إنني أخشاه عليك إن كنت أنت منهم .
عليهم أن يتعلموا أن يصرفوا على مايريدون إقتناءه أقل مما يكسبوه ،ويقسمون الباقي فشيء يدخر للكماليات وآخر يدخر للضروريات وحال جمع مبلغ مايريدون شراؤه يشتروه بجهدهم الشخصي ،دون تتبع تلك المتاجر طلباً لمنتجات مجانية مقابل رتويت ،أو حتى الإختباء من أصحاب الدين بعد تراكمها عليهم .
الادخار !!!
الادخار !!!
الادخار !!!
الادخار ي صديقي العزيز وترتيب أسلوب الصرف هو بالفعل ماتحتاجه للحصول على كل ماتتمناه دون أي تقصير على نفسك ، وبالمجهود الذي تبذله عادة في أعمالك ، فقط الإدارة الصحيحة لأموالك هي الشيء الذي تحتاجه لتحسين حياتك .
إن كان دخلك عشرة آلاف في الشهر وتصرف منها عشرة آلاف في الشهر ،غيِّر هذا الأسلوب ادخر ٢٠٪ من دخلك على الأقل وان استطعت ادخر ٤٠٪ من دخلك ،ستجد ماتقوم بادخاره الآن جاهز لك في المستقبل عندما تريد شراء شيء لايتحمله مرتبك الحالي ،ولن تكون مضطر للشراء بالتقسيط الغير مريح ،وفي حال زيادة مرتبك لاترفع من طاقة الصرف لديك ،اصرف بنفس طاقة مرتبك السابق ،وارفع من معدل ادخارك بدلاً من رفع معدل صرفك .
ستجد ادخارك في المستقبل ،فهو الذي سيساعدك في الحصول على عقار ومنزل جيد ،هو أيضاً الذي سيساعدك في الدخول في تجارة جديدة قد ترفع مستوى دخلك لضعف ماتحصل عليه الآن ، أشياء كثيرة يمكنك الحصول عليها عبر ادخارك لجزء بسيط من دخلك الحالي الذي كنت تقوم بصرفه على لا شيء ،فقط قم بإدارة دخلك إدارة صحيحة .
لا تكن جزءً من عالم الفقراء الجدد والتقسيط الغير مريح ، كن جزءً من عالم الأغنياء الجدد والإدخار المريح .
ماجد،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق