السبت، 25 فبراير 2017

شبح الحضارة !!



الحضارة مجد الأمم سُطر بها تاريخهم ،فهذه الأندلس بحضارتها وجمال بنائها الإسلامي تقف شامخة رغم بلاء الزمان ،وتلك هي بقايا عظماء بني عثمان في اسطنبول زخرفت وجملت لاتغفلها عين ،وتلك هي العلوم التي بدأها جابر ابن حيان ،ابن سينا ،ابن الهيثم قد طورت ومازلنا نعيش تطورها قد تكون طورت لدى غيرنا ولكنها طورت رغم ابتعادنا عن الطريق .


نحن أهل الحضارة نحن من نشر الفكر وأعمل العقل نحن من بدأ العلوم وحرص عليها وجعل المكتبات مراجع لكل العلماء والدارسين وأنهار العراق تشهد على حبر كتب مكتبة بغداد التي نثرت بها عندما اجتاحها المغول .

نعم تلك هي الرسالة لايوجد لنا عدو يريد لنا أن نكون علماء أو منتجين أو أهل حضارة حقيقية دائماً عندما يغزوننا يدمرون مانملك من علم أو يسرقونه كما حدث في آخر حضاراتنا ،الحرص الشديد على جعل هذه الحضارة حلم بعيد وصعب المنال وربطه بأهواء لانفع منها ولاتغني العقل بعلم ولاتريح النفس بسعادة وتسميتها حضارة هو ماوصلونا إليه وجعلونا متعلقين به متلهفين ننظر إلى أولئك الذين يدعون أنهم متحضرون ويصورون الإنسلاخ الخلقي على أنه حضارة هو الحضارة الحقيقية .
ونتمناها لنا !!
لم نملك الأرض ولم ترتعد منا قلوب الأمم خشية غضبنا بالإنسلاخ من أخلاقنا ولكن ملكناها بقيم ديننا بمبادئننا لم نبني حضارات الماضي بالإنسلاخ ولم نخرج أوروبا من ظلام الكنيسة وسيطرتها على عقولهم إلى نور العلم والإنفتاح بالإنسلاخ ،فإن كان الإنفتاح موجود فأهل الإسلام أول من بدأه أخرج الذين ظُلموا من ظلام الاستعباد إلى نور عدل الإسلام وساءت عاقبة الذين ظَلموا وبنينا بهذا العدل أعظم الحضارات  ..


فمالي أرانا نلهث خلف حضارتهم وفسادهم ومالي أرانا لانأخذ إلا ما كان سيئاً منهم ؟

إن الحضارة تكون بالبناء الجيد والتخطيط الجميل ، تكون ببناء العقول واستثمارها ،تكون بحث العلماء علي التجديد والإنتاج والإختراع  بتلك القيم بنيت حضارات الماضي ولن تبنى بغيرها ..

هي لن تبنى بما أراه الآن .

وماذا أرى .؟

دعني أحكي لك ما رأيت ..

في ذلك اليوم على الشاطئ كنت أتمتع بمنظر البحر الجميل وهوائه الرائع العليل وإذا بي أسمع صوت لمتحدث على مكبرات الصوت يعلن المسابقات والناس حوله ملتفين ذهبت لأرى ماذا هناك فإذا بهم يحيون فعاليات لمهرجان ولكني وصلت على فعالية أساءت للجميع ، فذلك الشاب يصرخ في مكبرات الصوت من منكم يستطيع أن يجلب لي بسرعة رضاعةً للحليب لطفل صغير ويشترط أن تكون ممتلئة وسيحصل على الجائزة !!؟ وبالفعل ركضوا نحوه بما طلب ولكن وصلت إليه فتاة قبل الجميع ومعها المطلوب وتنظر بحرقة تريد جائزتها الثمينة .
فحدث بينهم ذاك الحوار
قال : تريدين جائزتك ؟
قالت نعم.
قال اشربي القنينة كاملة كي تحصلي على ماتريدين وهي بنت الثانية عشر .

عندها تساءلت أنا أين المتعة فهو الوحيد الذي كان يضحك.

قبلت الفتاة وبدأت الشرب وانتهى بها المطاف بنصف الجائزة التي وُعدت بها متهمين إياها أنها غشت وخالفت الشروط التي لم يذكروا منها شيئاً .

تركتهم ورحلت وفي داخلي ألف سؤال وتفكيري في احتراق وكنت أتساءل ..

هل يعتقد من نظم ضياع الوقت هذا أن هذا ترفيه ؟؟
أم يعتقد أن هذه سياحة ؟؟
وهل هذا شيء يفخر به منظموه ؟؟
هل هذه هي الحضارة التي يبحثون عنها ؟؟

فبعدما دارت بي كل هذه الأسئلة اكتشفت أن المنظم ليس أهلاً لما نظم والخطأ الأكبر على من اختار ذلك المنظم ثم اكتشفت أن الخطأ الأكبر كان على الحضور فهم من حضروا وجعلوا المنظم يشعر أنه على صواب .

لست هنا للتحريم أو التحليل فلست أهلاً لذلك ولكن عندما تُستصغر عقولنا وتبنى فعاليات لاتغني العقل بعلم ولا النفس بسعادة وإنما فقط تضيع وقتنا وأموالنا بلا فائدة ،علينا أن نكون واعين منتبهين يقضين ونتركها لمن أنشأها يحضرها لوحده عله يستمتع بشرب قنينة الحليب تلك عندما يجلبها هو لذلك الشاب الذي يصرخ على مكبرات الصوت طالبن تلك القنينة ..

عندما يحضرها لوحده سيعلم أن العقول التي غابت تركته لأنه جهز لها شيئاً تحت مستوى وعيها وتفكيرها ولا يصل إلى توقعاتها عندها فقط سيكون مجبراً على تطوير وتحديث مايقدمه وجعله متصل بالعقل والوعي وممتع فعلاً وليس فقط وسيلة لكسب المال من هذا المشروع وكفى .


لاشك أن أسلوب قنينة الحليب تلك انتشر ومر على جميع المدن وكل سائح في هذا الوطن رآه بطريقة أو بأخرى وقد لايكون على شكل قنينة الحليب فأشكاله متعددة ..


اعلم ياصديقي أن الحضارة والعز والمتعة والفرح لاتبنى بتسفيه العقل لن تدخل في حضارة ولن تقبلك أي حضارة بلا عقل تنتفع هي منه ،ولن تبني أنت حضارة بوطنك ولن يبني هذا الوطن أي حضارة مالم يكن للعقل فيه أولوية قصوى فالإستثمار بالعقول ،ومن وراء نمو العقول كل حضارة ستنموا وتكبر ولن يقف في وجهها شيء فعندما تبنى بالعقل تكون بنيت على أسس ثابته لاتهزها الرياح ..

احترم ونمي واستثمر عقلك يقف كل عقلاء الأمم احتراماً لك .


ماجد،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق